من هو اعلم الامة بالحلال والحرام، لقد خلق الله تبارك وتعالى الإنسان، وصوره في أحسن تقويم، وسخر له الكون بأسره ليتمتع بفضائل نعم الله تبارك وتعالى، لكنه جعل له مساحة رحبة وفسيحة من الحلال ينعم فيها كيفما يشاء، وجعل له حدودا من الحرام لا ينبغي عليه أن يتخطاها مطلقا، وهذا المنع يصب في مصلحته، وكان لزاما على جميع المسلمين معرفة تلك الحدود التي شرعها الله تبارك وتعالى، والتي بينها في كتابه المبين القرآن الكريم، ووضحها وفصلها وبينها وشرحها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن كثيرا ما ينتاب المرء سؤالا حول هذا الموضوع مفاده من هو اعلم الامة بالحلال والحرام.
من هو اعلم الامة بالحلال والحرام كامل
من يرد الله به خيرا يفقه في الدين فلا خير ولا علم ولا معرفة أفضل وأشرف من معرفة أمور الدين الإسلامي الحنيف، والذي ما بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأجله إلا لرحمة العالمين وإخراجهم من الظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة، فمن هو ذلك الشاب الذي كان أكحل العينين، براق الثنايا، وسيما قسيما، دعونا معا نتعرف على من هو أعلم الأمة بالحلال والحرام.
معاذ بن جبل هو ذلك الصحابي الجليل الذي شهد له رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ممتدحا إياه قائلا في مدحه: ” “أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل”، لقد كان إسلام معاذ بن جبل على يد الصحابي الجليل مصعب بن عمير، ولقد جاء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع اثنين وسبعين رجلا، وامرأتان فقط، في يوم العقبة الثانية.
ولقد كان معاذ بن جبل ملازما للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى أتم حفظ القرآن الكريم في عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، هو وبضع من الصحابة والبالغ عددهم ستة، ولقد أتقن حفظ كتاب الله تبارك وتعالى، فامتدحه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قائلا : “استقرئـوا القرآن من أربعـة: من ابن مسعـود، وسالم مولى أبي حذيفـة، وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل”، ولقد حظي معاذ بن جبل بحب رسول الكريم، حتى قال مشهرا حبه لمعاذ بن جبل حيث قال : “يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك»، فقال معاذ: بأبي أنت وأمي والله إني لأحبك يا رسول الله”.
ولقد كان معاذ بن جبل دارا للإفتاء كاملة متمثلة في شخص معاذ بن جبل، لفقد كان عاملا جليلا، حتى كان الناس يستفتونه في أمور الدين، واستبيان الحلال والحرام في عهد النبي فلقد قال عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم : “إن معاذ بن جبل أمام العلماء رتوة”، ولقد شهد له الصحابة الكرام، وشبهوه بسيدنا إبراهيم عليه السلام، فقال فيه ابن مسعود رضي الله عنه : “”إنَّ معاذ بن جبل كان أمَّةً قانتاً لله حنيفاً، فقيل له: إِنّ إبراهيم هو الذي كان أمةً قانتاً لله حنيفاً، فقال: ما نسيتُ ولكن هل تدري ما الأمة وما القانت؟ قُلتُ: الله أعلم، فقال: الأمة الذي يعلمُ الخير والقانت المُطيع لله عز وجل ولِرَسوله، وكان مُعاذ بن جبل يُعَلِّمُ الناس الخير وكانَ مُطيعاً لله عز وجل”، وكان يلتف حول الصحابة يتعلمون منه أمور الدين الحنيف، والقرآن الكريم.
استبقاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة لتعليم الناس وتحفيظهم القرآن الكريم بعد فتحها المبين، وعندما قدم أهل اليمن إلى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم معلنين إسلامهم، فسألوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يبتعث معهم من يعلم أمور الدين الإسلامي الحنيف لأنهم حديثي عهد بالإسلام ولا يعلمون من أمره الكثير، فأرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم صحابيا قرآنيا جليلا من خيرة الصحابة معاذ بن جبل، وعينه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل اليمن آنذاك، فسأله قائلا : “كيف تقضي إذا عرض لك قضاء”، قــال: أقضـي بكتاب الله. قال: “فإن لم تجد في كتاب الله”، قال: “فبسنة رسول الله”، قال: “فإن لم تجد في سنة رسول الله، ولا في كتاب الله؟”، قال: اجتهد رأيي، فضرب رسول الله صدره، وقال: “الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله”.
ولقد شهد معاذ بن جبل جميع المعارك مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فأراد الخروج إلى فتوحات الشام وذلك في زمن أمير المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولكن عمر بن الخطاب رفض خروجه لفتوحات الشام، حيث كانت مغادرة معاذ بن جبل للمدينة بحيث لا يستطيع أحد أن يتبوأ مكانته في إفتاء الناس، ولكن لمعرفة أم المؤمنين أبو بكر ضي الله لشغفه بالشهادة، وتوقه لها سمح له ذلك، فقلد كانت من خطبه الشهيرة في معركة أجنادين والتي يخلدها التاريخ حتى هذه اللحظة : “يا معشر المسلمين اشروا أنفسكم اليوم لله فإنكم إن هزمتموهم اليوم كانت هذه البلاد دار الإسلام أبداً مع رضوان الله والثواب العظيم من الله”.
ولقد تبوأ معاذ بم جبل مكانة مرموقة وعظيمة عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي عنه، فلقد كان له نعم البطانة الحسنة، وكان يشاوره في كل الأمور ولقد قال عنه :”لولا معاذ بن جبل لهلك عمر”، وأرسله عمر بن الخطاب إلى بلاد الشام مع مجموعة من الصحابة ليعلم أهلها القرآن الكريم، ثم تم استخلافه عليها بعد وفاة الصحابي الجليل أبو عبيد بن الجراح رضي الله عنه بطاعون عمواس.
ولقد أصيب الصحابي الجليل معاذ بن جبل بطاعون عمواس فتتك به، فكان يقول لأهله: هل أصبحنا؟ فقالوا: لا، ثم كرر ذلك، وهم يقولون: لا. حتى قيل له أصبحنا فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، مرحبًا بالموت مرحبًا، زائر مغب، وحبيب جاء على فاقة، اللهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا، وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عن حلق الذكر. ووافته المنية وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، في السنة السابعة من الهجرة، فهذه كانت إجابة السؤال من هو اعلم الامة بالحلال والحرام.